«وصايا من مشفى المجانين»: رواية سوريا الأسد

حسام جزماتي

أتاحت وزارة الثقافة في حكومة النظام لمتابعي منشوراتها فرصة تحميل الرواية التي منحتها الجائزة الأولى على مستوى البلاد، في مسابقة أجرتها عام 2017 وحملت اسم الروائي السوري الأشهر حنا مينه. في مقدمته يقول مدير الهيئة العامة السورية للكتاب إن الجوائز لا تخلق المبدعين، فالأديب يولد «وجينات الإبداع في دمه». وفي هذا السياق فإن هيئة الكتاب، كجهة منظِّمة للمسابقة وناشرة، «تفخر» أنها تقدم اسماً جديداً للمشهد الثقافي، هو الفائز الأول بالجائزة صفوان إبراهيم، عن روايته «وصايا من مشفى المجانين»، وهي الثانية له بعد «طابقان في عدرا العمالية».
01_0.jpg

يبدأ بطل «الوصايا» بتعريفنا بنفسه؛ فهو شاب من أسرة فقيرة كثيرة العدد، سافر إلى ألمانيا ليدرس الطب. وهناك انخرط بقوة في المجتمع الألماني، مستعيناً بالإقامة لدى أسرة قبطان دائم الغياب. ليكتشف، بعدما أتقن اللغة، أن سيدة المنزل اختارته هو بالذات أملاً في أن تنشأ علاقة بينه وبين ابنتها إيفا ذات السادسة عشرة، إذ إنها لم تنسجم مع أبناء بيئتها، وظهرت عليها ميول شبه شرقية، فرأت الأم أن الحل ربما يكون في تقريب طالب شرقي منها، وانتقته نظراً «لما يمتاز به السوريون من حضارة، وعلمانية، وجاذبية على مستوى العالم». وهو ما سيؤكده الأب نفسه في إحدى إجازاته حين يقول: «أنا أعرف طبائع أغلب شعوب العالم، وأنتم كسوريين تنفردون بطبعٍ لم آلفه لدى غيركم… إنه الأمانة، وأقصد على الجنس اللطيف». وهكذا بدا أن علاقته مع إيفا هي رغبة كلا الوالدين، لكن بطلنا المتعفف سيجيب البحار العتيق بحزم: «تبدو لي يا حضرة القبطان واسع الاطلاع… وأعتقد أنه فاتك شيءٌ واحد فقط لا غير [هو] أننا، نحن السوريين، نعمل بما يمليه عليه ضميرنا، وشعورنا الإنساني، ولا نخضع لأي ضغوط خارجية».

لكن الشابين سيدخلان الجامعة معاً، هو إلى قسم الأمراض النفسية في كلية الطب البشري، وإيفا إلى قسم الصحافة الذي تحلم به. ببطء ستنمو العلاقة بينهما، لكن ذلك لن يؤثر على تفوقه الدراسي اللافت الذي دفع أحد أساتذته لترشيحه لدراسة سنتين في عام واحد، وهو ما سيحصل رغم محاولة الدكتور «ديفيد…» إعاقته لأنه يهودي «ألماني الولادة، إسرائيلي الهوى».

في سنوات ثلاث سيستطيع بطلنا إنجاز ما لم يستطع أي طالب في ألمانيا أو أوروبا إحرازه. لم يتخرّج بتفوق فحسب، بل حاز الدكتوراه عن رسالته «دور الإعلام في الحالة النفسية للشعوب»، وألّف «الكثير من الكتب التي تتحدث عن علم النفس، ونظرياته القديمة والحديثة»، وأصبح محاضراً كبيراً تتنافس الجامعات على طلبه والحشود على سماعه والصحف على نشر المقابلات معه. وأثناء ذلك تزوج إيفا ورزقا بابنة هي مارينا، واشترى بيتاً ريفياً رائع الجمال والإطلالة، وشقة كبيرة في قلب المدينة قسمها قسمين؛ الأول عيادة والثاني للسكن.

وكان كل هذا مرشحاً للاستمرار لولا «قيام ما يسمى «الثورة السورية» ضد النظام»، حين أخذ «من يسمون أنفسهم بـ «الثوار» يمارسون أبشع جرائم التاريخ بحق الإنسان والبلد»!!

لم يستغرق الطبيب النفسي وقتاً طويلاً ليتخذ خياره الوطني، وهو العودة إلى سوريا ليلتحق بالخدمة العسكرية الإلزامية التي تنتظره «على أحر من الجمر». كما لم يبذل جهداً كبيراً لإقناع إيفا بمرافقته، هي المتعطشة إلى ممارسة الإعلام بالتقاط الصور وإجراء اللقاءات. ورغم محاولة الكوادر التدريسية والإدارية في الجامعة ثنيه عن عزمه، واستعانتهم بوزارة الصحة والمغريات التي تستطيع تقديمها، فإن الدكتور وجد أن بقاءه هناك خيانة لبلده التي تعاني، وخيانة لعلم النفس الذي درسه وأحرز فيه أعلى المراتب، فتحت «أي بند أو نظرية نفسية سأضع كذبي على نفسي، من غير المعقول قبولي بذلك، وإلا فأنا إنسان وهمي النفس». هكذا كان يحدث نفسه بينما هو في الطائرة من فرانكفورت متوجهاً إلى منزل العائلة في قريته بريف اللاذقية، حيث لم يستطع لقاء جميع إخوته لأن ثلاثة منهم كانوا يخدمون في الجيش. أما هو فقد فرزته وزارة الدفاع كطبيب عادي في أحد المصحات العقلية البعيدة، على أن يلتزم بدوام ثلاثة أيام أسبوعياً في مشفى ميداني يبعد 20 كيلومتراً.

سيمضي الطبيب خدمته في «سهل الغاب»، حيث ترابط فصيلة مدفعية تصد عن المصح العقلي هجمات «الإرهابيين»، بينما ستكتب زوجته المقالات وترسلها إلى الصحيفة الألمانية التي تعاقدت معها، متعاطفة بوضوح مع الشعب السوري وجيشه ضد ما يتعرض له من «إرهاب عالمي». وستمر الأيام وينخرط الطبيب في جو المصح ويتعرف إلى طاقمه ومرضاه ويقضي بعض وقته هناك بالقراءة، لأن «الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية كما قال الرئيس حافظ الأسد». ومن جهة أخرى سيألف وضعية الحرب في المشفى الميداني وفي الجو العام المحيط، وصولاً إلى أن يفقد أحد إخوته على إحدى الجبهات المشتعلة.

غير أن الذروة الدرامية للرواية ستنبني عندما يحاصر «الإرهابيون» المصح، ثم يبدأ هجومهم للسيطرة عليه في الرابع عشر من شباط، المعروف بعيد القديس ڤالنتين أو عيد الحب، وما ذلك إلا «تعبيراً عن احتقارهم لهذه المعتقدات… وحقارة ذواتهم المؤمنة بالسوداوية والإلغائية لكل ما هو مفرح»!

أيام صعبة ستعيشها حامية المشفى وطاقمه ومرضاه. سيُقتَل مديره العقيد ويتولى قيادته أحد نزلائه، حيان، وهو مجنون/عاقل، طيار مسرّح برتبة مقدم، حتى يُقتَل قبيل وصول حملة فك الحصار من «أقمار» الجيش «الباسل الأبي».

02_0.jpg

تنتظر الهيئة العامة للكتاب حتى نهاية روايتها الفائزة «عالأول» لتقدم صاحبها في سطور. ولد صفوان إبراهيم في اللاذقية، قرية سنجوان، عام 1978. انتسب إلى الكلية الجوية وتخرج ضابطاً طياراً. اتجه إلى الكتابة في 2013 إثر «استشهاد» أخيه حيان في الرقة. لكن ما لا يذكره التعريف أن الأخ المفتقد كان متطوعاً في الأمن السياسي…

موقع تلفزيون سوريا ١٠ آب/اغسطس ٢٠٢٠

قد يعجبك ايضا