أؤلف كتاباً عن النساء المعتقلات: لأنزع ذاك السواد الذي يجثم على ذاكرتي وروحي

#ناجيات_أم_ليس_بعد #Survivors_or_not_yet

 

مثل أية شابة تحلم بالدراسة والحصول على شهادة جامعية كانت سارة، ورغم كل ما تعانيه محافظتها إدلب من قصف ومخاطر قد قررت التوجه إلى جامعتها في محافظة حلب عام ٢٠١٤، فالحياة لا بد أن تستمر، و على مشارف حلب، عند حاجز الراموسة، كان ينتظرها الإعتقال الذي دام عامين متتالين، وتهمتها “المشاركة في المظاهرات”، أما من وشى بها فهو أحد زملائها في الكلية.

دخلت سارة المعتقل معصوبة العينين لا تعلم ما مصيرها أو أين سينتهي بها المطاف، بدخولها الزنزانة التي لم تكن تتجاوز تسعة أمتار وتكتظ بالنساء، وقعت عياناها على إمرأة بشرتها زرقاء ووجهها متورم، وبالكاد يمكن التعرف على ملامحها، تقول سارة: سألتها “ماالذي حلّ بك” فأجابتني بسخرية “بالتأكيد لم أخلق هكذا، إنها علامات التعذيب ، سياط، شبح، دولاب، أنابيب بلاستيكية، حرق بالماء الساحن، إخماد أعقاب سجائر“، سألتها”ما تهمتك”، “إخاطة أعلام للثورة”، خفت حينها متسائلة “هل سأكون نسخة عنها” لكن ذلك الصمت قطعة صوت السجان منادياً التالية التي جاء دور تعذيبها.

قضت سارة عامين في السجن تعرضت لتعذيب، ولكنه لم يكن كمن قابلتها في البداية، فنظراً لنحولها الشديد كان تعذيبها أقل قسوة، لكنهم قاموا بـ “شبحها” لثلاثة أيام متتالية حتى اعترفت أنها شاركت في التظاهرات.

جاء صوت السجان معلناً الإفراج عن سارة ، فقاطعته أصوات المعتقلات: “لماذا هي ونحن لا “، “نحن اعتقلنا قبل أن تعتقل بأي حق سيفرج عنها”، وأصوات أخرى مهنئة ومباركة، تقول سارة “أتفهم من اعترض على خروجي وبقائه، فمعاناة النساء في السجن قست قلوبهن وبات التشبث بحلم الحرية يجعل الواحدة منهن قد تكره أو تبغض أخرى في سبيل الحصول عليه، ولكن بالمقابل هناك من رق قلبهن وباركن لي، رغم أن خروجي لم يأتي شفقة أو رحمة فقد دفع أهلي عشرة ملايين ليرة مقابل حريتي، هذا ما علمته حين خرجت”.

صديقة لسارة جاءت لتهنئتها لكنها لم تر سارة التي تعرفها “وصلت تلك الصبية التي كانت غضة الوجه والجسد، بقلب متعب، وجسد ترتسم المعاناة عليه، منهكة كأن عشرات السنين مرّت عليها، وليس فقط مجرد عامين”.

كانت فرحة أهل سارة عارمة بخروجها، فقد فعلوا الكثير لتخرج ابنتهم بسلام، لكن وجوههم كانت تقول شيئاً آخر وفق تعبير سارة “أشعر بمحبة أهلي وخوفهم علي، ولكن في نظراتهم لي إشارات استفهام كبيرة، وهم عاجزون عن طرح السؤال، هل اغتصبت في السجن؟”، لقد رأوا آثار التعذيب على جسدي فهي واضحة، وما تبقى لم يجرؤوا أن يسألوه، وهذا حال مجتمعي يبارك لي ولكني أرى في الوجوه في النظرات، تلك الرغبة بمعرفة هل حافظت على شرفي أم لا”.

احتاجت سارة عامين آخرين للتعافي، ولتستطع أن تبحث عما يجب عليها أن تفعله لتنسى تجربة الاعتقال، وبذلك أضاعت أربع سنوات من حياتها كانت كفيلة للحصول على شهادة جامعية، ورغم ذلك لم تستسلم فاختارت فرع إدارة الأعمال للدرسة ولكن في جامعات لا يشرف عليها النظام، كما بدأت بالعمل في مجال الإعلام، وللتغلب على ما عانته، انهمكت في العمل وأثبتت نجاحها مرة بعد أخرى.

“لكن الكوابيس لا تفارقني، وجوه الجلادين أصوات المعذبين، رائحة الدماء، مازالت تلتصق بذاكرتي”، قررت سارة أن تبدأ بكتابة مذكراتها وقصص المعتقلات من رفيقاتها علها تستطيع بذلك أن تتخلص من “السواد الذي يجثم في ذاكرتي” كما تصفه، ولكي تتجاوز تلك التجربة القاسيّة، التي تعتبر في الوقت ذاته وسيلة للفت نظر المجتمع إلى أن مأساة المعتقلات ليست فقط ذلك التفصيل المقيت المتعلق بالاغتصاب، وقضية تلك المرأة التي انخرطت في الثورة لا تتعلق في كونها فقدت عذريتها على يد وحش بشري أم لا، بل أنها قضية انسانية وتحررية أكبر من ذلك بكثير، وعلى المجتمع أن يتعامل مع المعتقلات من زاوية ما عانينه من ويلات من أجل حرية بلادهن.

قد يعجبك ايضا