رحلة طائرة العال وتجارة التطبيع البائرة

هبطت طائرة العال الإسرائيلية في مطار أبو ظبي قادمة من مطار بن غوريون في دولة الاحتلال الإسرائيلي، حاملة وفداً أمريكياً إسرائيلياً سوف يعقد سلسلة اجتماعات مع حكام الإمارات لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التطبيع التي توصلت إليها تل أبيب مع أبو ظبي برعاية أمريكية.
ويتفاخر أعضاء الإسرائيلي والأمريكي بإطلاق الصفة «التاريخية» على هذه الرحلة، كونها الأولى من نوعها منذ تأسيس الكيان الصهيوني،

جسر:صحافة:

هبطت طائرة العال الإسرائيلية في مطار أبو ظبي قادمة من مطار بن غوريون في دولة الاحتلال الإسرائيلي، حاملة وفداً أمريكياً إسرائيلياً سوف يعقد سلسلة اجتماعات مع حكام الإمارات لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التطبيع التي توصلت إليها تل أبيب مع أبو ظبي برعاية أمريكية.
ويتفاخر أعضاء الإسرائيلي والأمريكي بإطلاق الصفة «التاريخية» على هذه الرحلة، كونها الأولى من نوعها منذ تأسيس الكيان الصهيوني، والأولى العلنية وذات السمة التجارية التي تقوم بها شركة الطيران الإسرائيلية إلى مطار إماراتي. لكنها «تاريخية» أيضاً لأنها حلقت للمرة الأولى في الأجواء السعودية، الأمر الذي يشير إلى مباركة سعودية ضمنية للاتفاقية، ويمثل نذيراً مشجعاً للجهود الأمريكية الرامية إلى إقناع ولي العهد السعودي بالانخراط في سيرورة التطبيع، أو على الأقل حضور حفل التوقيع الرسمي على الاتفاقية والذي يزمع البيت الأبيض إقامته في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وقد تكون الرحلة «تاريخية» حقاً بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي، فهي تقدّم لرئيس حكومة الاحتلال هدية ثمينة تأتي في أوقات عصيبة عليه، تشهد استمرار متاعبه الشخصية أمام القضاء الإسرائيلي بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ومشكلاته المتفاقمة في قلب الائتلاف الحكومي الراهن، كما تتوّج سنوات من أنشطة التطبيع السرية أو العلنية مع الإمارات.
والرحلة «تاريخية» أيضاً على الجانب الأمريكي، بدليل الطابع الرفيع للوفد الأمريكي الذي صعد إلى طائرة العال وضمّ جاريد كوشنر مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره ومهندس «صفقة القرن» إلى جانب مستشار الأمن القومي وكبار المسؤولين عن ملفات الشرق الأوسط وإيران والمفاوضات الدولية ومؤسسة تمويل التنمية الدولية. ومن الواضح أن فشل جولة وزير الخارجية مايك بومبيو اقتضى متابعة فورية من جانب كوشنر، لممارسة مزيج من الترغيب والترهيب على دولة مثل عُمان، وربما السعودية لاحقاً، للدخول في مسارات التطبيع.
ومعروف أن الرئيس الأمريكي، الذي فشل في جمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة واحدة كما تعهد في بدء رئاسته، لم يُدخل إلى سجل إنجازاته في السياسة الخارجية على نطاق الشرق الأوسط سوى الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية. وفي المقابل احتوى السجل على سلسلة إجراءات منحازة تماماً لدولة الاحتلال بدأت من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ومرّت بإقرار السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، ولم تنته عند إعلان صفقة تتيح للاحتلال ضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن.
ولكن رحلة العال هذه، ومثلها اتفاقية التطبيع الإماراتية الإسرائيلية وما سبقها أو سيلحق بها من اتفاقيات مماثلة، ليست تاريخية بأي حال من الأحوال لدى الغالبية الساحقة من أبناء الشعوب العربية وقواها الحية والمنظمات والمؤسسات الحقة التي تمثل المجتمع المدني الفعلي في العالم العربي. لقد جربت دولة الاحتلال إبرام اتفاقيات «سلام» مع مصر والأردن في الماضي، على مستوى أنظمة الحكم بالطبع، فلم يتحول أي منها إلى واقع سلام مادي على الأرض في مستوى وعي المواطن المصري والأردني أو سلوكه، وبقي الموقف من القضية الفلسطينية ثابتاً أو ترسخ أكثر، تماماً كما بقيت النظرة إلى الكيان الصهيوني بوصفه دولة احتلال واستيطان وتمييز عنصري.
وهكذا فإن هبوط طائرة العال التجارية في أبو ظبي لا يعني أن تجارة التطبيع رابحة، بل هي على العكس بائرة خاسرة.

قد يعجبك ايضا