هل تشتبك الفصائل مع تحرير الشام ؟

 

لا يبدو القضاء على “تحرير الشام” بالمهمة السهلة للمعارضة. ويمكن ادراج التلميحات لبعض قادة المعارضة، كتهديد لـ”تحرير الشام”، في إطار الضغط التركي لتحصيل المزيد من التنازلات منها، ومحاولة من قبل الفصائل لإخلاء مسؤوليتها عن الخسائر السابقة واللاحقة، وتحويل أنظار المعارضة نحو “تحرير الشام” باعتبارها أساساً للمشكلة، والذريعة التي تستفيد منها مليشيات النظام لمواصلة معاركها.
جهوزية المعارضة
لفصائل المعارضة في الشمال السوري ما يزيد عن إمكانات وقدرات “تحرير الشام” العسكرية بثلاثة أضعاف، وتقدر أعداد مقاتلي فصائل “الجيش الوطني” في منطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” بريف حلب بأكثر من 30 ألف مقاتل، ومثلهم لدى فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير”. ولدى قسم كبير من هذه الفصائل أسلحة ومعدات عسكرية تركية، وذخائر متنوعة، تحقق لها الغلبة على “تحرير الشام”.
وبرغم تفوق المعارضة في العدد والعتاد، إلا أنها غير قادرة على خوض معركة ضد “تحرير الشام”، لأسباب أهمها؛ امتناع الفصائل الإسلامية عن المشاركة في القتال لأنها لا ترى فيه مصلحة لها. موقف يتناقض مع العداء السابق لغالبية الفصائل الإسلامية مع “تحرير الشام”؛ وهي “جيش الأحرار” و”أحرار الشام” و”صقور الشام” و”فيلق الرحمن” و”تجمع دمشق” وغيرها.
إذ ترى الفصائل الإسلامية أن القضاء على “تحرير الشام” لن يمنع مليشيات النظام الروسية من استكمال عملياتها العسكرية، بل ربما يزيد من حماستها لتكثف هجماتها مستغلة حالة الفوضى التي من المتوقع أن تسود في مناطق المعارضة في حال اندلعت معركة مع “تحرير الشام”، بالفعل. ولذلك تفضل الفصائل الإسلامية الضغط على “تحرير الشام” للقبول بتغييرات في قيادتها وتقديم المزيد من التنازلات في الادارتين العسكرية والمدنية في ادلب لصالح المساعي التركية.
ولا يمكن لمقاتلي فصائل “الجبهة الوطنية” الصغيرة كـ”جيش النصر” و”جيش ادلب الحر” خوض معارك مع “تحرير الشام” في المناطق المدنية، التي تعيش حاضنتهم الشعبية فيها. أما “فيلق الشام” الذي يقود “الجبهة الوطنية” وأكبر فصائلها، فهو يعاني من اختراق “تحرير الشام” له، وفي حال قررت قيادة “الفيلق” خوض معركة ضدها، سينشق عنه عدد كبير من التشكيلات والألوية التي يقودها قادة مقربون من “تحرير الشام”.
وعلى الجانب الآخر، لا تبدو فصائل “الجيش الوطني” أحسن حالاً من فصائل “الجبهة الوطنية”، لكن المبررات تختلف. جزء كبير من مقاتلي “الجيش الوطني” عبارة عن موظفين انتسبوا للفصائل لأجل الرواتب، ولن يشاركوا في القتال غالباً، وما تبقى من مقاتلي الفصائل لا يكفي لخوض معركة ضد “تحرير الشام”، حتى وإن دعمها الجيش التركي بشكل غير مباشر.
هل تدعم تركيا المعركة؟
باستثناء كلام مستشار الرئيس التركي قبل أيام، لا تُعبّرُ تصريحات المسؤولين الأتراك عن شكل علاقة تناحرية مع “تحرير الشام”، ولا إيحاء بتوجه لدعم معركة تهدف للقضاء عليها. وقد أتيح لفصائل المعارضة خلال العامين 2017 و2018 أكثر من فرصة لقتال “تحرير الشام”، لكنها لم تحصل على الدعم الكافي، ولم يُرد لها بالفعل أن تنفذ المهمة. نهاية العام 2018 كانت الفرصة الذهبية للقضاء على “تحرير الشام”، ووصل مقاتلو “حركة الزنكي”، إلى مشارف معبر باب الهوى، لكنهم أجبروا على وقف الهجوم. وبعد فترة وجيزة خسرت” الزنكي” معاقلها غربي حلب، وأجبرت على النزوح إلى عفرين.
ويبدو أن اتهام “تحرير الشام” بأنها الذريعة لاستمرار هجوم المليشيات، يهدف إلى إحراجها وتحميلها مسؤولية تقدم النظام بدلاً من إلقاء اللوم على النقاط التركية. والتهديد بشن معركة ضدها، يهدف للضغط عليها لتقديم تنازلات جديدة، وتسليم نقاطها على جانبي الطريق الدولي إلى فصائل “الجيش الوطني” وحلّ “حكومة الإنقاذ” لصالح توسيع “الحكومة المؤقتة”، والتعاون مع وزارة الدفاع التابعة لـ”المؤقتة” التي من المفترض أن تُعاد هيكلتها بدعم تركي خلال الفترة المقبلة.
ولا يمكن للجيش التركي تقديم الدعم الناري، الجوي والبري، لفصائل المعارضة في معركتها المفترضة ضد “تحرير الشام”، كما حصل في معركة عفرين مثلاً أو في معارك ريف حلب ضد “تنظيم الدولة”، فالوضع في ادلب مختلف من حيث انتشار ونفوذ “تحرير الشام” في مناطق مدنية يستحيل فيها القتال من دون خسائر. ولا يمكن أن تأمن تركيا على نقاطها وقواعدها العسكرية في ادلب، من الهجمات والحصار، في حال دعمت أي معركة ضد “تحرير الشام”. هذا عدا عن أن أي معركة بين الفصائل و”تحرير الشام”، ستصب في صالح مليشيات النظام الروسية، لا في صالح تركيا والفصائل التي تدعمها.
مصدر عسكري معارض أكد لـ”المدن”، أن تركيا تسعى إلى تنظيم وتفعيل دور وزارة الدفاع في “المؤقتة”، ومن المفترض أن يتم الدمج الكلي لمقاتلي “الجبهة الوطنية” و”الجيش الوطني” تحت مظلة وزارة الدفاع، واستدعاء الضباط المنشقين المقيمين في تركيا وتوزيعهم على قيادة القطاعات والفيالق العسكرية. وبحسب المصدر، فإن تمكين وزارة الدفاع، والصهر والتنظيم الفعلي للفصائل تحت مظلتها، سيليه في مراحل لاحقة ضمّ تشكيلات مثل “تحرير الشام” و”جيش العزة”، من دون المسميات الحالية.
عرضُ العسكريين والأمنيين الأتراك المسؤولين عن ملف ادلب لـ”تحرير الشام” يشبه إلى حد كبير العرض الذي قدموه لـ”الزنكي”، كشرط لازم لدعمها. هناك قائمة أسماء يجب على “تحرير الشام” استبعادها من الواجهة، وعلى رأسها، قائدها “أبو محمد الجولاني”، وأكثر من 30 شخصية جهادية من قادة الصف الأول، مهاجرين وسوريين. وهي الخطوة الأولى في التغيير الجذري المفترض، والذي سيشمل حلّ التنظيم والاستفادة من قواته وعتاده تحت مسمى آخر ضمن وزارة الدفاع في “المؤقتة”.
هل تتنازل الهيئة؟
بدت “تحرير الشام”، أقل عدائية مؤخراً تجاه المعارضة المسلحة والسياسية على الرغم من تلميح المعارضة المتواصل الى إجبار “تحرير الشام” على حل نفسها للحفاظ على ما تبقى من مناطق المعارضة. لم يهاجم أنصار “تحرير الشام” خصومهم كما جرت العادة، وبدا تصريح المتحدث الإعلامي مختلفاً، ويلمح بشكل غير مباشر إلى كارثية المعركة وأنها تصب في صالح المليشيات. ولم تصدر أي تصريحات رسمية عدائية تجاه تركيا. وتبدو “تحرير الشام” مستعدة بالفعل لتقديم المزيد من التنازلات لكسب الوقت.
وبدا أن “تحرير الشام” مرتاحة لعدم تصنيفها على قوائم الإرهاب الأميركية، ويقول جهاديون مناهضون لها، إن “تحرير الشام” قدمت قوائم بأسماء عناصر تنظيم “الدولة” للأميركيين، وهي معلومات حصلت عليها من خلال التحقيقات مع عناصر الخلايا الأمنية التابعين للتنظيم في ادلب خلال الفترة الماضية، وهي مستعدة للتعاون بشكل أكبر في هذا الاتجاه وتقديم المزيد من الخدمات.
وقد عوّضت “تحرير الشام”، خلال أيلول/سبتمبر، خسائرها من العناصر، في حملات تجنيد جديدة، وضمت أكثر من 2000 عنصر، أي أربعة أضعاف الرقم الذي خسرته في المعارك الأخيرة مع المليشيات. ورفعت جاهزية تشكيلاتها للتعامل مع أي تطور ميداني في الجبهات، والتصدي لأي هجوم داخلي.
ويمكن أن تُقدّمَ “تحرير الشام” الكثير من التنازلات والخدمات لكنها لن تنسحب من جانبي الطريق الدولي، ومنطقة خفض التصعيد، وهي مستعدة لجولة جديدة من المعارك مع المليشيات بأداء مختلف، كما يقول أنصارها.

المصدر: المدن

قد يعجبك ايضا