الخسائر تجاوزت ملياري ليرة ولم يتم التحقيق رسمياً في الأمر

ذائف النظام تحرق ثلث مخزونه من القطن في الحسكة وهي تطارد “المسلحين”
مصدر مطلع: الخسائر تجاوزت ملياري ليرة ولم يتم التحقيق رسمياً في الأمر
بهزاد حاج حمو/ الحسكة

الثالث من آذار 2013 ليلاً, هزَّ انفجار عنيف محيط المحلج, فهرعتُ مسرعاً من المحرَس لأتفقد الأمر, وإذ بحريق هائل يلتهم (ستوكات) القطن في الباحة”، هكذا يحاول أبو محمد أحد حرَّاس محلج الحسكة أن يصف لـ “جسر” مدى تفاجئه بالحادثة. ثم يضيف “وبينما كنت مذهولاً أمام مشهد النيران, التي بدأت تشتد وتستعر أكثر فأكثر بفعل الرياح الغربية, تتالى صوتان آخران في المحيط, أدركتُ حينها أنها قذائف مدفعية أو ما شابه, فتركتُ المكان راكضاً وأنا أردد: علقت، علقتْ”.
ترك أبو محمد خلفه تلك الليلة مئة وسبعين ألف طن من القطن، (مئة منها محصول هذا العام)، لتلتهمه النيران، وليكون عرضة لقذائف أخرى قد تسقط أيضاً، بسبب سياسة “عشوائية” انتهجها النظام في مطاردته لـ “المسلحين”. سياسة خلفت أيضاً في ذلك الحريق خسارة قدرها مطلعون بملياري ليرة سورية، وسط صمت رسمي، “لخص تلك الحادثة وأسبابها بورقة ليضعها في أدراجه”.
المدفعية تطارد اللصوص
رداً على سؤال “جسر” عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الحريق, يقول “ماهر”، وهو موظّف دائم في المحلج إن “مرآب مديرية الجمارك, الملاصق للمحلج, يحوي مئات السيارات والآليات المصادَرة، وبالتالي يشكل هذا المرآب صيداً ثميناً وهدفاً لغارات عدة يشنها ملثَّمون مسلَّحون بهدف الاستيلاء عليها, وبسبب تكرار هذه الحادثة، وكوننا نستغل المساحات الفارغة من باحة المرآب لتخزين كمية فائضة عن قدرة استيعاب مخازن المحلج من القطن الخام, لجأنا أكثر من مرة إلى إعلام الجهات المسؤولة لمعالجة هذا الموقف، لكن لم تبدر منهم أية إشارة في هذا السياق”.
ويضيف “تلك الليلة بالذات، اقتحمت المرآب مجموعة كبيرة بعض الشيء, كما ذكر أحد زملائي, فقصفت المدفعية المتمركزة في جبل كوكب (20 كم شرق المدينة) الموقع, بعدة قذائف سقطتْ إحداها على المخزون أدت إلى إحراقه, وهذا تماماً ما حدث”.
مؤشر على ضعف
“استمرَّ الحريق يومين كاملين دون أن تتمكن سيارات الإطفاء التابعة لملاك المحلج من إطفائه, كما ولم يتمكن فوج إطفاء الحسكة من ذلك أيضاً”، بحسب ما أكده “آراس”، وهو شاهد على الحادثة.
ويعتبر الناشط الإعلامي”آدم”، وهو من أبناء الحسكة، اللجوء القصف العشوائي لاستهداف مجموعة مسلحين مؤشر يعكس درجة ضعف النظام وعدم ثقته بجنوده خوفاً من الانشقاق أو القنص, كما أنه دليل على استهتار النظام بأرواح المدنيين و ممتلكاتهم, حيث باتت في الآونة الأخيرة, قذائف المدفعية تسقط على أحياء المدينة بشكل كثيف لتحصد أينما وقعت أرواح الأبرياء وتخلف الدمار، بحسب الناشط، كما حدث قبل أيام حين سقطت إحدى هذه القذائف على منزل في “حي المفتي” يضم عائلة يتيمة، فاستشهدت سيدة ستينية بعد أن بُترت ساقها, وحفيدها الذي كان يبلغ من العمر يومان فقط, ولم يتمكن الأهالي من لملمة أشلائه.
فاتورة خسائر “قاسية”
لحظة نشوب الحريق في المحلج كانت الكمية المخزنة فيه مئة وسبعين ألف طن، فاحترق منها خمسون ألف طن، بحسب “س.غ”، وهو مصدر مطلع، مقدراً الخسائر بملياري ليرة سورية.
وأشار “س.غ” إلى أن مرآب الجمارك الملاصق، يتعرض لسرقات متكررة, إذ يحتوي على أربعة آلاف آلية مصادَرة, تضم سيارات ودراجات نارية, بقي منها اليوم أقل من عشر آليَّات فقط.
أما رئيس لجنة المتابعة الزراعية في المجلس الوطني الكردي فيصل الحسين، فأكد لـ “جسر” أن الخسائر الحقيقية تقدَّر بحوالي أربعة مليارات سورية، إلا أنه قلل من الأثر المباشر على المزارع كونه استلم قيمة فواتيره كاملة, والمخزون أصبح ملكاً للدولة والقطاع العام.
كتاب رسمي “خجول”
رد فعل إدارة المحلج على تلك الحادثة، اقتصر على إرسال كتاب “روتيني” إلى المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان، ذكر فيه الحادثة والأرقام الرسمية للخسائر دون التطرق لسبب الحريق, وقامت المؤسسة فيما بعد برفعه إلى وزارة الصناعة بالطريقة ذاتها، وفقاً لما أكده “س.غ”.
عن المحلج
يمتد محلج الحسكة على مساحة خمسة هكتارات في منطقة “المشيرفة” شمال غرب المدينة، تحيط به مجموعة من المؤسسات الحكومية، أهمها مديرية الجمارك ومؤسسة للهاتف الآلي، وفيه عدة أقسام منها التخزين والحلج. يخضع القطن الخام لعملية صناعية تدعى بالحلج, حيث تُقدَّر الطاقة الإنتاجية له بثمانين ألف طن سنوياً. انخفضت في العام الماضي إلى أقل من عشرة ألاف طن فقط, أي ما يقارب 90 في المائة انخفاضاً, نتيجة افتقاد موارد الطاقة (الكهرباء والمازوت). يقوم المحلج بتشغيل نحو أربعمئة موظَّف موسمي بموجب عقود سنوية, أما موظفيه الدائمين فعددهم مئة موظف.
والجدير بالذكر أن المدفعية المتمركزة في جبل كوكب, وهو جبل بركاني, تقوم بقصف محيط مدينة الحسكة والمناطق التي تدور فيها اشتباكات بين الجيش الحر وقوات النظام, أو تلك التي قام الأول بتحريرها كمنطقة الشدادة وناحية تل براك شمالاً، حيث الموقع الاستراتيجي الهام بين الحسكة والقامشلي

قد يعجبك ايضا