ظاهرة عابرة للزمان والمكان العربي: كتّاب التقارير يستخدمون الفيس بوك ويخطؤون في العنوان !

جسر – خاص:

الوشاية بالآخرين بهدف إلحاق الضرر بهم أو النيل منهم وليس من أجل المصلحة العامة، عادة درج عليها سوريون كثر في العقود الأخيرة الماضية، حيث انتشرت ثقافة (التقارير) وانخذت أشكالاً واستخدمت وسائل مختلفة تتناسب وكل مرحلة من المراحل، إلى أن أصبحت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعية كأداة من أدوات هذه المهمة. 

سابقاً كانت الحكومة، أو بالأحرى المؤسسات الأمنية، توظف في كل مصلحة أو مؤسسة عامة أو خاصة، عيوناً لها و(فسادين) ينقلون بشكل دوري المعلومات والأخبار عما يجري في مكان عملهم، ويرصدون سلوكيات وأفكار، بل ويعدون همسات وأنفاس زملائهم، لصالح أفرع المخابرات ودوائر الأمن، قبل أن تجد هذه المؤسسات الأمنية نفسها محط اقبال من جانب الكثيرين ممن تطوعوا بملئ إرادتهم (للتفسيد) على الآخرين، وغالباً لأسباب خاصة كالحسد والانتقام أو التنافس الوظيفي إلخ..

عدة الشغل

زمان، كانت عدة المخبر ورقة وقلم يدون عليها ما يرصده في المكان الذي ينشط فيه، قبل أن يتطور الأمر لاحقاً إلى استخدام أدوات التسجيل الصوتي وهذا بالنسبة للمحترفين، بينما ظل الكثير منهم يعتمد على مهاراته في الحفظ والتذكر.

أما عن كيفية إيصال هذه التقارير والتبليغ عنها، فكان يتم كما هو معروف بالوسائل التقليدية، إما من خلال التواصل المباشر والتردد شخصياً إلى الجهة الأمنية، أو عبر البريد إذا كان التقرير ليس أمنياً بل إدارياً، أو عبر وسائل خاصة عندما يكون المخبر لديه علاقات مع عاملين في هذه المؤسسات الأمنية أو الإدارية.

تطور

في السنوات الأخيرة الماضية ومع التطورات الكبيرة التي شهدها العالم تقنياً وعلى صعيد الاتصالات خاصة، باتت وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة “موقع فيسبوك” أحد أهم أدوات كتّاب التقارير غير الرسميين لإيصال رسائلهم “للجهات المعنية”.

فمع لجوء كل مؤسسة حكومية ووزارة إلى انشاء صفحة رسمية لها على الموقع الأزرق، وجد الراغبون بالوشاية بزملائهم أو الانتقام من منافسيهم أو إلحاق الضرر بمن يكرهونهم، وجدوا في الفيسبوك أداة سهلة وبسيطة وآمنة في الوقت نفسه لممارسة “سوستهم” هذه !

ويكفي أن ينشأ أحدهم حساباً باسم وهمي ثم يدبج تقريره المليء بما يكفي لتدمير الشخص المستهدف بمعلومات حقيقية أو ملفقة، وارساله إلى صفحة الجهة المعنية..والباقي على الله..

العنوان الخطأ

لكن المثير للضحك والاهتمام في الوقت ذاته، أنه وبسبب وجود مؤسسات تحمل الاسم ذاته تقريباً في سوريا اليوم، بعد لجوء المعارضة أيضاً إلى انشاء مؤسسات ومجالس ومديريات، فكثيراً ما بات يختلط الأمر على أصحاب هذه التقارير فيقومون بارسالها إلى صفحات مؤسسات المعارضة، بينما يكون الهدف بالأصل أن تصل إلى مؤسسات النظام !

يمكن القول إن جميع مؤسسات المعارضة الخدمية والإدارية من جميع القطاعات تستقبل مثل هذه الرسائل (التقارير) لكن صفحة مجلس محافظة دمشق (الحرة) تعتبر الأكثر ارتياداً من جانب (كتاب التقارير) الذين يظنون أنها صفحة مجلس محافظة دمشق التابعة لحكومة النظام.

وحسب القائمين على صفحة المؤسسة المعارضة التي تتبع للمجلس الذي كان مسؤولاً عن مناطق دمشق وريفها التي كانت تحت سيطرة الفصائل، فإن صفحة المجلس على الفيس بوك تستقبل وبشكل دوري تقارير وبلاغات ووشايات كان يجب أن تصل إلى المسؤولين في المجلس التابع للنظام، بالإضافة أحياناً إلى مقترحات وأفكار غريبة، كمقترح أحد الأشخاص الذي أرسل يطالب بانشاء خطوط تلفريك في مدينة دمشق من أجل حل أزمة المرور فيها !

تقارير خارجية !

يتحدث أنس حسين المسؤول في الهيئة العامة للرياضة والشباب (المعارضة) وأحد الآدمن في صفحة “اتحاد كرة القدم الحر” على الفيس بوك ل”جسر” عن استقبال الصفحة رسائل بين الحين والآخر “هي في الحقيقة بمثابة تقارير” موجهة بالأصل إلى الاتحاد التابع للنظام، كالوشاية بلاعب ما أنه يصطف مع الثورة، أو اتهام مسؤول رياضي محلي بالفساد، أو الكشف عن تحايل إداري أو فساد مالي الخ، بل “وأحياناً نستقبل تقارير خارجية أيضاً !!” يقول حسين.

وحول هذه النقطة يوضح أنس حسين، وهو حكم كرة قدم منشق عن النظام: في إحدى المرات وعقب التصفيات الأولمبية الكروية الماضية قبل سنتين ونصف، والتي تلقى فيها منتخب النظام هزيمة من نظيره العراقي، تلقينا رسالة مطولة هي بمثابة تقرير متكامل الأركان، فيه معلومات عن اعمار لاعبي المنتخب العراقي الحقيقية والتي تم تزويرها بما يسمح لهم بالمشاركة في هذه المسابقة، ناهيك عن ابداء المرسل استعداده لتقديم معلومات اضافية كما جاء في رسالته (تقريره) الذي أراد توجيهه أصلاً إلى الاتحاد الرياضي العام لكنه لم يكلف نفسه عناء البحث والتأكيد جيداً.

ظاهرة عامة

مثال يؤكد أن هذه الظاهرة ليست حكراً على مجتمع عربي محدد، بل هي ظاهرة متفشية في البلدان المحكومة من الديكتاتوريات، والتي تقوم في إحدى ركائزها على تعميم الانقسام في المجتمع ونشر الخوف فيه من خلال تسليط الجميع على الجميع، يراقبون بعضهم البعض ويوقعون ببعضهم البعض، إما طمعاً أو خوفاً، وهي ظاهرة تتمتع بالمرونة وقابلة للتطور بكل حال إن كان على صعيد الأفكار أو على صعيد الأدوات طالما هي بضاعة مطلوبة من الأنظمة والحكومات الاستبدادية الي لا تتيح قنوات طبيعية للمساءلة والمحاسبة ولا تفضل بأي حال قيام علاقات سليمة في المجتمعات التي تحكمها.

قد يعجبك ايضا